قيل ان العزيز عزل فتولى يوسف مكانه و قيل أنه ندم على ما فعل بيوسف فمرض فمات و الصحيح من هذا كله هو أنه كان حيا بعد خروج يوسف من السجن لما تقدم و كل ما ذكر بعد ذلك في شأنه أصله من الإسرائيليات و ما يقال فيه يقال في زوجته زليخا التي قالوا أنها تزوجت بيوسف عليه السلام بعد موت العزيز فوجدها بكرا.
و يرد على هذا بأن الله تعالى لما قص علينا قصة يوسف نسب زليخا امرأة للعزيز من أول السورة إلى آخرها في أكثر من آية و لقد ورد في القران الكريم نساء نسبهن الله إلى أزواجهن كامرأة نوح و امرأة لوط و امرأة إبراهيم و امرأة عمران و الذي نعلم في امرهن انهن لم يتزوجن بغير الأزواج الذين نسبن اليهم فنستدل بهذا على القول بان زليخا لم تتزوج بيوسف عليه السلام و الله تعالى أعلم و أحكم.
و اذا عدنا إلى يوسف عليه السلام الذي اصلح الله أمره كله و هيأه له حتى ينال ما وعده الله به و لذلك كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو قائلا :
اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين و أصلح لي شأني كله .
و لقد قيل : تيسر قليل خير من عمل كثير . فكم من إنسان تصدر للحكم و سعى لينال المنصب فحيل دونه و افتنن و هذا يوسف عليه السلام جعل الله كل الأعراض التي تعرض لها تقربه أكثر فاكثر من الملك .
و لذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للذي اعترض على القدر :
اعملوا فكل ميسر لما خلق له
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو قائلا :
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا و انت تجعل الحزن اذا شئت سهلا.
فالرؤيا التي قصها على ابيه كانت سبب دخوله إلى قصر الملك ، و اما تعرض زليخا له و دخوله السجن فكان سببا لذكر اسمه عند الملك و اما رؤيا السجينين فهي سبب لخروج يوسف من السجن لحاجة الملك إليه ، و قد قيل : لكل شيء سبب منه يبدو و ينشعب.
و لقد مر يوسف عليه السلام بثلاث مراحل لكل مرحلة منها رؤيا :
فالرؤيا الأولى كانت في بيت المقدس في بيت ابيه يعقوب عليه السلام و هي الرؤيا التي تلخص حياة يوسف عليه السلام و هي السبب في عداوة إخوته له لكون يوسف عليه السلام أحب إلى ابيه منهم ، جعلتهم يكيدونه لكن كيدهم لم يفلح و قد قيل : اصبر على كيد الحسود فإنه لايسود . ثم أحبته زليخا و تامرت عليه حتى وضع في السجن و قد جعل الله من حب أبيه و حب امرأة العزيز سببا في ابتلاءه و من امعن النظر في ما بلي به يوسف لوجد أنها خيوط من رحمة الله نسجها في حلقات متشابكة ليصرف كيد الكائدين عنه و ليعوضه خيرا من ما أخذ منه.
أما الرؤيا الثانية و هي رؤيا السجينين فهي نقلة جديدة من حياة يوسف عليه السلام حيث يتعرف على مرارة الظلم فيبغضه فإذا ما حكم بين الناس حكم بالعدل و الإنصاف ، و في هذه الفترة تعامل يوسف مع السجناء و تعرف على مشاكلهم فدعاهم إلى توحيد الله و أمرهم بالمعروف و نهاهم عن المنكر و جعل الله من تعبيره للرؤى سببا لذكر اسمه عند الملك.
و اما الرؤيا الثالثة فهي التي رآها الملك و عجزت حاشية الملك عن تعبيرها و التي رفعت من قدر يوسف عند الملك فكانت سببا في أمور عدة :
ـ منها الاعتراف ببراءته من قبل من قذفوه بالذنب
ـ منها اصدار العفو الملكي عنه ليخرج من السجن
ـ منها تقريب الملك له و توليته أجل منصب في الحكم
ـ منها تولي المنصب الذي سيمكنه من التعامل مع إخوته و استدراجهم شيئا فشيئا لنقل ابيهم من بيت المقدس إلى مصر.
ان الاعتراف سيد الأدلة و لقد اعترفت زليخا بذنبها أمام زوجها بين يدي الملك و في غيبة يوسف عليه السلام و انتهى الكلام.
و نحن اذ نتكلم عن يوسف عليه السلام فيحتمل عدة أمور في شأن العزيز :
ـ أحدها أنه استمر في منصبه حتى مات فتولى يوسف مكانه
ـ ثانيها ان العزيز غضب عليه فعزله وتولى يوسف مكانه.
ـ ثالثها أنه ندم على ما صدر منه في حق يوسف فاستقال من منصبه ليتولى يوسف مكانه.
و الذي تأكد من كل هذا ان ثمة فترة زمنية بين إعلان براءة يوسف عليه السلام و بين خروجه من السجن، الله اعلم بمدتها، صار فيها منصب وزارة خزائن الأرض فارغا جعل يوسف عليه السلام يقترح على الملك ان يجعله وزيرا عليها.
و قد استشهد بعض علمائنا بفعل يوسف هذا للاحتجاج بطلب الإمارة رغم قول رسول الله صلى الله عليه و سلم :
انا لا نولي أمرنا هذا من طلبه .
و القول السديد و الله اعلم أنه لا يجوز طلب الإمارة خاصة اذا أدى ذلك إلى الفتنة و إلى القتل و الدماء لكن لا بأس من ذلك بين يدي الإمام الأعظم كما فعل يوسف عليه السلام و كما أراد عمر رضي الله عنه يوم الخندق عندما أراد الراية و قد احب الصحابة من رسول الله صلى الله عليه و سلم منازل قدم لها الأصلح منهم و منع آخرون كابي ذر الغفاري الذي نهاه ان يلي مال يتيم او يأمر بين اثنين ، و يستشهد بما فعل خالد في تامير نفسه في غزوة مؤتة و هذا موضع لا ينبغي ان يتنازع فيه المسلمون لأن غايتهم في سبيل الله.
إذن فطلب الإمارة للخروج على السلطان أمر مذموم شرعا للأحاديث الصحيحة التي تحذر من ذلك و تزجر عنه أما عرض الكفاءة بين يدي السلطان لتولية منصب من أمور الدولة تحت رعاية السلطان فلا بأس به و ان كان الأفضل عدم السعي في ذلك حتى يختار المسلمون الأصلح لامورهم من خلال مبدأ الشورى كما قال تعالى :
و لو كنت فظا غليظا لانفضوا من حولك فاعف عنهم وأستغفر لهم و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين .
و لقوله تعالى : و أمرهم شورى بينهم.